«شعرة معاوية».. بين أدب الرحلة والسرد الروائي/ ترجمة سليم محمد غضبان
صفحة 1 من اصل 1
«شعرة معاوية».. بين أدب الرحلة والسرد الروائي/ ترجمة سليم محمد غضبان
«شعرة معاوية».. بين أدب الرحلة والسرد الروائي
تاريخ النشر: 10/03/2016
يكتبها: يوسف أبولوز
«إن الوحدة بين الأجانب سوف تعني له معاناة أخرى إضافة إلى معاناة الوحدة بين أعضاء الفريق، مثلما تنبأ في رسالته من هلسنجور بموت قريب لجميع أعضاء الفريق، قال الآن إن الرحلة لا يمكن أن تبلغ هدفها. الحق معه، بالنسبة له على الأقل، لأن فون هافن من المستحيل أن يدخل إلى «العربية السعيدة». اعتراه الخوف نفسه الذي اعتراه في سكاجيراك، ولكن في هذه المرة ليست هناك فرصة لترك السفينة أو للنزول على البر. الآن عليه أن يبحث عن وسائل أخرى».
بين أدب الرحلة، والسرد الروائي يشبه كما يقولون «شعرة معاوية»، وربما كانت المادة التاريخية هي القاسم المشترك بين الرحلة والرواية، وكما أن الروائي «وصاف» بامتياز، فالرحالة، هو الآخر، مولع بالوصف.. وصف الأماكن التي يزورها، ووصف الأشخاص، والمدن، بل إن كثيراً من الرحالة العرب والأجانب نقلوا لنا حتى مناخ البلدان التي زاروها، ووصفوا نباتاتها، وحجارتها، وتربتها، وكل ذلك بعين تكتشف المكان للمرة الأولى.
تداخل، في ذاكرتنا، أدب الرحلة العالمي، مع مادة الاستشراق، والمستشرقون الذين زاروا البلدان العربية لم يكونوا رحالة بالمعنى الذي نعرفه عن أدب الرحلة، فهؤلاء كان يختلط في شخصياتهم ما هو سياسي مع ما هو ثقافي وفكري وحتى أيديولوجي.
أضع كل ذلك جانباً، وأقرأ كتاب «العربية السعيدة».
(الرواية المثيرة للرحلة الدانماركية إلى مصر وشبه الجزيرة العربية) بمذاق أدبي.. أليس هذا مدخلاً أدبياً لهذه الرحلة.. انظر كيف يختار الرحالة (ثوركيلد هانسن) مدخله في الفصل الأول من كتابه (العربية السعيدة).
يقول: «.. في صباح شتائي هادئ (كانون الثاني 1761، سينطلق قارب وعليه خمسة رجال يجدفون انطلاقاً من مركز الجمارك عبر ميناء كوبنهاجن. عندما يصعدون إلى القارب، ويديرون ظهورهم للشمس، يمكنهم رؤية المدينة القابعة هناك..».
يضع «هانسن» كتابه في جزءين الأول بعنوان «العاصفة تسبق الهدوء»، ويأتي تحت هذه العناوين: برغم الزمن الصعب، العاصفة، سنة في مصر، لا شيء جديداً من جبل سيناء.. والجزء الثاني بعنوان: «ألف نهار ونهار» تحت هذه العناوين: الربيع في تهامة: ماذا تعني العربية السعيدة؟ وكارستن نيبور يعود للوطن، و«نيبور» هذا يبدو الشخصية المحورية في الرحلة، وسوف نعثر في الكتاب على لوحة لمدينة «يريم» رسمها كارستن نيبور- كما جاء في الكتاب - وهو جالس بجانب شباك الغرفة التي كان بها فورسكول يرقد قبل وفاته، وهذا الأخير هو إحدى الشخصيات الواردة في الرحلة التي يمرض خلالها ثم يموت، ويوصي بكل أغراضه إلى شخص آخر اسمه «باورن فايند»، وهو رسام أيضاً، وفي الكتاب لوحة له وقد رسم امرأة عربية من جبال القهوة.
يقع الكتاب في 462 صفحة من القطع الكبير، وفيه تسلسل سردي ممتع يحيط بمدن، وزراعات، ونباتات، وأشخاص، وسهوب رملية (في تهامة)، ومن باب الربيع في تهامة أقرأ لك.. «.. في يوم صيفي هادئ في 5 تشرين الأول 1762، وقف الرجال الستة في الرحلة الاستكشافية الدانماركية مرة ثانية في قارب أبحر بهم باتجاه الشمس..».
مجموعة من الرجال على متن سفينة تأخذهم إلى السويس، وتهامة، واليمن، ومدن وأماكن أخرى تخالهم مغامرين أو رسامين في زمن كانت الرحلات لاستكشاف الحياة، وليست لأغراض استشرافية سياسية ، في الكتاب مادة جغرافية أيضاً، إلى جانب المذاق الأدبي الذي رفع من حضور اللغة، وحضور وقائع الرحلة، وفي النهاية لابد من الإشارة إلى الترجمة الصافية والأنيقة التي قام بها سليم محمد غضبان، بحيث نقل لنا رحلة استكشافية، لكن، بقالب مملوء بلغة الأدب.
نضيف أمراً آخر هنا، إن الرحالة الأجانب الذين جابوا الكثير من بلدان وصحراء وأماكن في الشرق، وفي المنطقة العربية أيضاً، كانوا مسلحين بأسلحة نارية، والبعض منهم ارتدى الزي العربي، وعاش بين بدو الصحراء، وتعلموا عاداتهم، وبالطبع، تنطوي روايات هؤلاء الرحالة على المغامرة التي تتطلب الشجاعة، ونشير أيضاً إلى أن فطرة أهل المنطقة التي جرت فيها وقائع الرحلة الدانماركية هي فطرة الناس البسطاء المرحبين بالغريب وإكرامه وحمايته، ولكن تظل روح الحذر موجودة دائماً بين الطرفين.
نقرأ في كتاب «العربية السعيدة» مستويات عدة من «السرد». هناك الكثير من التواريخ، وهناك الكثير من الوقفات في أماكن آثارية، إلى جانب فضاء من السفن من مكان إلى آخر، ولا يبدو «أبطال» هؤلاء الفضاء فضاء رحالة فقط، بل هم استكشافيون أيضاً.الكتاب: العربية السعيدة.
المؤلف: ثوركيلد هانسن.
المترجم: سليم محمد غضبان.
الناشر: دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة (2006).
تاريخ النشر: 10/03/2016
يكتبها: يوسف أبولوز
«إن الوحدة بين الأجانب سوف تعني له معاناة أخرى إضافة إلى معاناة الوحدة بين أعضاء الفريق، مثلما تنبأ في رسالته من هلسنجور بموت قريب لجميع أعضاء الفريق، قال الآن إن الرحلة لا يمكن أن تبلغ هدفها. الحق معه، بالنسبة له على الأقل، لأن فون هافن من المستحيل أن يدخل إلى «العربية السعيدة». اعتراه الخوف نفسه الذي اعتراه في سكاجيراك، ولكن في هذه المرة ليست هناك فرصة لترك السفينة أو للنزول على البر. الآن عليه أن يبحث عن وسائل أخرى».
بين أدب الرحلة، والسرد الروائي يشبه كما يقولون «شعرة معاوية»، وربما كانت المادة التاريخية هي القاسم المشترك بين الرحلة والرواية، وكما أن الروائي «وصاف» بامتياز، فالرحالة، هو الآخر، مولع بالوصف.. وصف الأماكن التي يزورها، ووصف الأشخاص، والمدن، بل إن كثيراً من الرحالة العرب والأجانب نقلوا لنا حتى مناخ البلدان التي زاروها، ووصفوا نباتاتها، وحجارتها، وتربتها، وكل ذلك بعين تكتشف المكان للمرة الأولى.
تداخل، في ذاكرتنا، أدب الرحلة العالمي، مع مادة الاستشراق، والمستشرقون الذين زاروا البلدان العربية لم يكونوا رحالة بالمعنى الذي نعرفه عن أدب الرحلة، فهؤلاء كان يختلط في شخصياتهم ما هو سياسي مع ما هو ثقافي وفكري وحتى أيديولوجي.
أضع كل ذلك جانباً، وأقرأ كتاب «العربية السعيدة».
(الرواية المثيرة للرحلة الدانماركية إلى مصر وشبه الجزيرة العربية) بمذاق أدبي.. أليس هذا مدخلاً أدبياً لهذه الرحلة.. انظر كيف يختار الرحالة (ثوركيلد هانسن) مدخله في الفصل الأول من كتابه (العربية السعيدة).
يقول: «.. في صباح شتائي هادئ (كانون الثاني 1761، سينطلق قارب وعليه خمسة رجال يجدفون انطلاقاً من مركز الجمارك عبر ميناء كوبنهاجن. عندما يصعدون إلى القارب، ويديرون ظهورهم للشمس، يمكنهم رؤية المدينة القابعة هناك..».
يضع «هانسن» كتابه في جزءين الأول بعنوان «العاصفة تسبق الهدوء»، ويأتي تحت هذه العناوين: برغم الزمن الصعب، العاصفة، سنة في مصر، لا شيء جديداً من جبل سيناء.. والجزء الثاني بعنوان: «ألف نهار ونهار» تحت هذه العناوين: الربيع في تهامة: ماذا تعني العربية السعيدة؟ وكارستن نيبور يعود للوطن، و«نيبور» هذا يبدو الشخصية المحورية في الرحلة، وسوف نعثر في الكتاب على لوحة لمدينة «يريم» رسمها كارستن نيبور- كما جاء في الكتاب - وهو جالس بجانب شباك الغرفة التي كان بها فورسكول يرقد قبل وفاته، وهذا الأخير هو إحدى الشخصيات الواردة في الرحلة التي يمرض خلالها ثم يموت، ويوصي بكل أغراضه إلى شخص آخر اسمه «باورن فايند»، وهو رسام أيضاً، وفي الكتاب لوحة له وقد رسم امرأة عربية من جبال القهوة.
يقع الكتاب في 462 صفحة من القطع الكبير، وفيه تسلسل سردي ممتع يحيط بمدن، وزراعات، ونباتات، وأشخاص، وسهوب رملية (في تهامة)، ومن باب الربيع في تهامة أقرأ لك.. «.. في يوم صيفي هادئ في 5 تشرين الأول 1762، وقف الرجال الستة في الرحلة الاستكشافية الدانماركية مرة ثانية في قارب أبحر بهم باتجاه الشمس..».
مجموعة من الرجال على متن سفينة تأخذهم إلى السويس، وتهامة، واليمن، ومدن وأماكن أخرى تخالهم مغامرين أو رسامين في زمن كانت الرحلات لاستكشاف الحياة، وليست لأغراض استشرافية سياسية ، في الكتاب مادة جغرافية أيضاً، إلى جانب المذاق الأدبي الذي رفع من حضور اللغة، وحضور وقائع الرحلة، وفي النهاية لابد من الإشارة إلى الترجمة الصافية والأنيقة التي قام بها سليم محمد غضبان، بحيث نقل لنا رحلة استكشافية، لكن، بقالب مملوء بلغة الأدب.
نضيف أمراً آخر هنا، إن الرحالة الأجانب الذين جابوا الكثير من بلدان وصحراء وأماكن في الشرق، وفي المنطقة العربية أيضاً، كانوا مسلحين بأسلحة نارية، والبعض منهم ارتدى الزي العربي، وعاش بين بدو الصحراء، وتعلموا عاداتهم، وبالطبع، تنطوي روايات هؤلاء الرحالة على المغامرة التي تتطلب الشجاعة، ونشير أيضاً إلى أن فطرة أهل المنطقة التي جرت فيها وقائع الرحلة الدانماركية هي فطرة الناس البسطاء المرحبين بالغريب وإكرامه وحمايته، ولكن تظل روح الحذر موجودة دائماً بين الطرفين.
نقرأ في كتاب «العربية السعيدة» مستويات عدة من «السرد». هناك الكثير من التواريخ، وهناك الكثير من الوقفات في أماكن آثارية، إلى جانب فضاء من السفن من مكان إلى آخر، ولا يبدو «أبطال» هؤلاء الفضاء فضاء رحالة فقط، بل هم استكشافيون أيضاً.الكتاب: العربية السعيدة.
المؤلف: ثوركيلد هانسن.
المترجم: سليم محمد غضبان.
الناشر: دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة (2006).
زائر- زائر
مواضيع مماثلة
» نذالة...بقلم الكاتب سليم محمد غضبان
» حكمة اليوم...بقلم الكاتب سليم العوريفي
» حكمة اليوم...بقلم الكاتب الجزائري سليم العوريفي
» فلولا الجِّدُ ما قامت صُروحٌ/ بقلم الشاعر سليم العوريفي
» سيمياء...بقلم الكاتب محمد حسن
» حكمة اليوم...بقلم الكاتب سليم العوريفي
» حكمة اليوم...بقلم الكاتب الجزائري سليم العوريفي
» فلولا الجِّدُ ما قامت صُروحٌ/ بقلم الشاعر سليم العوريفي
» سيمياء...بقلم الكاتب محمد حسن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى